الأربعاء، 1 أغسطس 2007

التعليم العالى فى ألمانيا

بروز اسم ألمانيا كبلد الدراسة وبلد المهندسين والمخترعين كان وراءه أسماء مثل هومبولت، آينشتاين، رونتغن، بلانك. ففي العصور الوسطى تسابق طلاب العلم نحو الجامعات التي تأسست حديثا في هايدلبيرغ وكولن وغرايفسفالد. وفيما بعد، وبعد حركة إصلاح الجامعات التي قادها فيلهلم فون هومبولت (1767-1835)، غدت الجامعات الألمانية المثل الأعلى للعالم الأكاديمي المتميز. فقد جعل هومبولت من الجامعة هيئة مستقلة للسعي نحو المعرفة. حيث يتوحد البحث العلمي مع التدريس، الأمر الذي يعني أن التدريس يجب أن يكون حكرا على الأساتذة الذين يمارسون البحث العلمي ويقدمون بالتالي نتاج خبراتهم العلمية للطلبة. وفي ذات الوقت يفترض في الطلبة والأساتذة على السواء أن يكرسوا الوقت والجهد للعلم فقط بعيدا عن أية رقابة أو تدخل حكومي.
ومن كان يرغب أن يصبح اسما لامعا في عالم المعرفة، كان عليه أن يزور جامعة ألمانية أو مركز أبحاث ألماني لفترة من الزمن. وفي مطلع القرن العشرين كان حوالي ثلث حملة جائزة نوبل من العلماء الألمان. وقد غيرت ابتكاراتهم وجه العالم: نظرية النسبية والانشطار النووي، اكتشاف جرثومة التدرن الرئوي وأشعة رونتغن.
وحتى حقيقة كون الولايات المتحدة اليوم الأمة الرائدة علميا في العالم، مردها إلى الباحثين الألمان. فقد وجد مئات العلماء الألمان الفارين من حكم هتلر، وكثير منهم من اليهود، مثل آينشتاين، وطنا جديدا لهم في جامعة أو في مركز أبحاث في أمريكا. وقد كان رحيل هؤلاء خسارة بالغة للبحث العلمي في ألمانيا، امتدت آثارها حتى العصر الحاضر.
النظرة الشاملة للجامعات الألمانية لا تولد الانطباع بأن هذه الجامعات تحتل مراكز متقدمة على الصعيد العالمي بشكل عام، وذلك رغم المستويات العلمية الرفيعة فيها. وقد تبينت الجامعات كما تبين القائمون على السياسة هذه الحقيقة وقام الجميع باتخاذ خطوات إصلاحية مناسبة. وهذه الإصلاحات في طريقها الآن لأن تغير مجمل الحياة الجامعية في ألمانيا. التغيرات التي يخضع لها النظام التعليمي اليوم لا يجاريها أية تغيرات في أي مجال آخر في المجتمع: فهي تتناول تعديل أنظمة شهادات التخرج وتبني شهادات متدرجة مثل البكالوريوس والماجستير، والسماح بفرض رسوم على الدراسة الجامعية، إضافة إلى خضوع المتقدمين للدراسة في الجامعات لامتحانات القبول، وتبني مبدأ التعليم الخاص، وكل هذا مصحوبا بالمزيد من التعاون الاستراتيجي بين الجامعات والمؤسسات غير الجامعية.
أما الهدف من هذه الإصلاحات فهو إعادة التعليم والبحث العلمي إلى مركزهما المتقدم على الساحة العالمية، وخاصة في ظل مناخ المنافسة المتزايدة. إن تغيير قوانين الدراسة الجامعية يمنح الجامعات المزيد من الحرية كما يتيح للأساتذة إمكانية المكافأة المادية المتناسبة مع الجهود المبذولة. هذا وتحاول الجامعات المعروفة تعزيز صورتها وسمعتها، بينما تدفع التصنيفات المختلفة (تصنيفات الجامعات)، والمتعلقة بالجودة وإقبال الطلبة، الجامعات نحو المزيد من التنافس وبذل الجهود.
وتساعد مبادرة التميز للجامعات الألمانية على تحقيق هذا الهدف أيضا. فمن خلال دعم الأبحاث العلمية المتميزة ستبرز “منارات البحث” لتنير عالم الأبحاث العلمية في ألمانيا، وتمد ضياءها إلى مجالات البحث العلمي في خارج ألمانيا أيضا. وبموجب هذه المبادرة تقوم الحكومة الاتحادية وحكومات الولايات بتخصيص مبلغ يصل في مجمله إلى 1,9 مليار يورو، حتى العام 2011. ويقدم الدعم لثلاثة مجالات أساسية في الأبحاث والعلوم: يفترض أن تقوم معاهد الدراسات العليا والخريجين بإتاحة برامج الدكتوراه المصحوبة بأفضل شروط البحث العلمي المتميز لجيل الشباب من الباحثين. إقامة تجمعات مراكز الأبحاث (التجمعات العنقودية المتميزة) في الجامعات، التي يفترض أن تشكل مؤسسات بارزة على المستوى العالمي تقوم فيها الأبحاث بالتعاون مع كل من مؤسسات غير جامعية ومعاهد تخصصية عليا ومع القطاعات الاقتصادية المختلفة (البحث العلمي في الجامعات). في المجال الثالث يتم تقديم الدعم لمشروعات “أفكار المستقبل من أجل تطوير وتوسيع البحث العلمي الجامعي”، وذلك لتطوير خطط البحث العلمي في عدد من الجامعات المتميزة، يمكن أن يصل إلى عشر جامعات ألمانية. وشرط الحصول على هذا الدعم هو أن يتوفر في الجامعة على الأقل تجمع (عنقودي) متميز للبحث العلمي، ومعهد للدراسات العليا والخريجين، خطة واضحة للعمل في المستقبل. وتقوم لجنة تحكيم مستقلة باتخاذ القرارات بشأن هذه مبادرة التميز هذه خلال جولتين من الخيار. وقد انتهت الجولة الأولى في خريف عام 2006: وقد تميزت كل من جامعة لودفيغ ماكسيميليان في ميونيخ والجامعة التقنية في ميونيخ وجامعة كارلسروة بالمجالات الثلاث، وحصلت جميعها بالتالي على لقب جامعة متميزة
وقد تم أيضا اختيار 18 معهد للدراسات العليا والخريجين و 17 تجمع (عنقودي) للأبحاث من بين أكثر من 300 مشارك في المسابقة. وتجري الجولة الثانية من المنافسة في خريف عام 2007.
نظام التعليم العالى :بعد الحرب العالمية الثانية تطور في ألمانيا نظام للتحصيل العلمي العالي يعتمد على تنوع كبير في التخصصات لم يسبق له مثيل، وقد تثبتت دعائم هذا النظام بعد الوحدة الألمانية عام 1990. ومن يرغب اليوم بالدراسة في ألمانيا يمكنه الاختيار بين 376 مؤسسة للتعليم العالي منتشرة في كافة نواحي البلاد (أنواع مؤسسات التعليم العالي) إمكانية الربط لينك “أنواع مؤسسات التعليم العالي”، مجلة دويتشلاند العدد الأول 2007، صفحة 8-9. سواء في مدينة كبيرة أو وسط الخضرة الريفية، في ظل أجواء قديمة تقليدية أو أجواء عصرية في قمة الحداثة، وسط منطقة صغيرة أو كبيرة: ولاية نوردراين – فيستفالن وحدها تحتوي على أكثر من 19 جامعة و25 معهد عالي تخصصي و 8 معاهد فنية عليا. تأسس الكثير منها في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، في عصر الانفجار الجامعي، الذي تضاعف فيه عدد الدارسين خمس مرات خلال عقدين من الزمن. وقد ازداد عدد الطالبات بشكل خاص خلال هذه الفترة، حيث يقارب اليوم عدد الطلاب الذكور
ويبلغ عدد الطلاب في ألمانيا اليوم حوالي 2 مليون. وتبلغ نسبة الذين يلتحقون بالجامعات من مواليد العام الواحد أكثر من الثلث، والنسبة في تزايد مضطرد. ورغم ذلك تقع ألمانيا تحت المتوسط العالمي من حيث نسبة الملتحقين بالتعليم العالي. ويعود هذا من ناحية إلى انخفاض نسبة التلاميذ الذين ينهون التعليم المدرسي بشهادة تخولهم الدخول إلى الجامعة. ومن ناحية أخرى إلى اختيار حوالي ثلث الحاصلين على الشهادة الثانوية (البكالوريا) متابعة الدراسة في التعليم المهني حسب النظام المزدوج الفعال (انظر صفحة 121).
ويتيح هذا النظام إمكانية التدرب على العديد من المهن، كالمهن اليدوية التقنية أو مهن المساعدة الطبية، على سبيل المثال، من خلال دراسة مهنية حرفية، بينما تتطلب هذه المهن في دول أخرى دراسة جامعية.
بالإضافة إلى ذلك تلعب الجامعات الخاصة في ألمانيا دورا ضئيلا جدا بالمقارنة مع الدول الأخرى: 96% من الطلاب يدرسون في مؤسسات حكومية. ومنذ السبعينيات تأسس العديد من الجامعات غير الحكومية وغير الدينية، والتي تعتمد في تمويلها على الرسوم الدراسية والتبرعات.
حتى 2006 كانت الدراسة الجامعية الأولى في ألمانيا مجانية. ولكن مع الفصل الدراسي الصيفي 2007 فرضت بعض الولايات الاتحادية رسوما جامعية بمقدار 500 يورو للفصل الدراسي الواحد. ومن المتوقع على المدى المتوسط أن تقوم معظم الولايات الاتحادية بفرض الرسوم الجامعية وذلك كمساهمة في تمويل الجامعات والمعاهد العليا العامة (الحكومية).
الجامعات التقنية والمعاهد التخصصية :
بينما تلتزم الجامعات التقليدية بالجوانب العلمية البحتة وتقدم مجالا واسعا من العلوم، من علوم الآثار إلى العلوم الاقتصادية، تختص الجامعات التقنية (TU) بالعلوم الهندسية والعلوم التطبيقية. وتتمتع هذه الجامعات التقنية الألمانية بسمعة عالمية على اعتبارها مراكز تخريج مهندسي المستقبل. ويزداد إقبال الطلاب الأجانب عليها بشكل خاص.
منذ نهاية السبعينيات تطور نظام ألماني متميز، قام العديد من الدول بتقليده: المعاهد التخصصية العليا (FH). أكثر من ربع الطلبة الألمان يؤم اليوم هذه المعاهد، وما يسمى في بعض الولايات بالأكاديمية المهنية، وهي على علاقة وثيقة بالشركات. وما يجتذب الطلاب بشكل خاص إلى المعاهد التخصصية العليا هو سرعة الدخول في الحياة العملية - حيث تدوم الدراسة عادة ثلاث سنوات - إضافة إلى التوجه العملي لهذه المعاهد. الدراسة المكثفة والمتشددة إضافة إلى الامتحانات العديدة تشكل كلها ضمانة لفترة دراسة قصيرة نسبيا. إلا أن هذا الأمر لا يعني إهمال الجانب العلمي، ففي المعاهد التخصصية العليا التي يبلغ عددها 170 معهدا، تجري الأبحاث العلمية على أعلى المستويات، ولكن بشكل أساسي فيما يتعلق بالتطبيقات الصناعية.
الطلاب الاجانب :ألمانيا مكان محبوب للدراسة لدى جيل الشباب من كافة أنحاء العالم. ويبلغ عدد الطلبة الأجانب في الجامعات الألمانية حوالي 248000 طالب وطالبة، بزيادة تصل إلى 70% عن عام 1995. واحد من كل ثمانية طلاب في ألمانيا يأتي من الخارج، وتأتي غالبيتهم من دول الاتحاد الأوروبي، وخاصة دول شرق أوروبا ومن الصين. وتعتبر ألمانيا بعد الولايات المتحدة وبريطانيا أهم بلد بالنسبة للطلبة الأجانب.
هذا النجاح في تحقيق “عالمية” الجامعات الألمانية يعود إلى الجهود المشتركة التي بذلتها السياسة والجامعات على السواء. فقد انطلقت قبل سنوات حملة تعريف ودعاية للجامعات الألمانية في الخارج. إضافة إلى ذلك ساهم العديد من الجامعات وبمساعدة الحكومة بتأسيس جامعات شريكة في الخارج، منها في سنغافورة (جامعة هانوفر التقنية)، وفي القاهرة (جامعتا أولم وشتوتغارت)، وفي سيؤول (المعهد العالي للموسيقى في فايمار). والعنصر الفعال في مثل هذه المشاركات مع الخارج هو الهيئة الألمانية للتبادل الأكاديمي الخارجي (DAAD)، التي تقوم بدعم تبادل الطلاب والعلماء مع كافة أنحاء العالم. وللهيئة مكاتب وأساتذة واتحادات لخريجي الجامعات الألمانية في أكثر من مائة بلد. كما ساهمت في تأسيس العديد من الكليات والتخصصات باللغات الأجنبية (معظمها باللغة الإنكليزية) في الجامعات الألمانية.
إضافة إلى ذلك يقوم المزيد من الجامعات والكليات بتعديل نظم شهادات التخرج وتبني شهادات تتلاءم مع النظم العالمية، مثل البكالوريوس والماجستير. ومن المفترض أن تنهي الجامعات الألمانية هذا التحول وتتبنى النظم العالمية مع عام 2010، وذلك وفق ما نص عليه “بيان بولونيا” الذي وقعته الدول الأوروبية. والذي سيسهل من جهة تنقل الطلاب بين دول القارة الأوروبية، كما سيعمل من جهة أخرى على جعل أوروبا أكثر جاذبية للأكاديميين القادمين مما وراء البحار، من خارج القارة.
ما تقوم به المعاهد الفنية والموسيقية العليا منذ زمن طويل سوف تتبناه بقية الجامعات ليصبح شيئا اعتياديا فيها. فحتى وقت قصير كانت قلة قليلة من الكليات تختار طلابها بنفسها. وفي التخصصات التي تفرض شروط قبول خاصة على المتقدمين لها، وهي حاليا علوم الأحياء (بيولوجيا) والطب والصيدلة وعلم النفس والطب البيطري وطب الأسنان، يتم منح مقاعد الدراسة وتوزيع الطلاب على الجامعات من خلال هيئة مركزية هي ZVS، وذلك وفق قاعدة 20 – 20 – 60. وبالنسبة للتخصصات التي لا يتم توزيع مقاعد الدراسة فيها بشكل مركزي، تقع المسؤولية على الجامعات مباشرة. وتختلف هنا معايير منح المقاعد الدراسية بين الجامعات. وتتجه العديد من الجامعات الآن إلى الاستفادة من هذه الفرصة وإلى إجراء امتحانات قبول أو امتحانات شفوية للمتقدمين لها، بقصد اختبار إمكانياتهم واختيار الأفضل منهم.
المصدر : كتاب حقائق عن ألمانيا